لا يمكن ذكر اسم محمد القصبجي دون أن يتبادر إلى الذهن عبارة "الذي أحب أم كلثوم". يبدو أن الكتابة عن هذا الرجل العظيم يتطلب بالضرورة إشارة إلى هذه المعلومة التي تحمل العديد من التفسيرات. لقد كانت أم كلثوم هي محور انجذاب قلبه ومصدر إلهامه. وعندما يتم ذكر اسم الشاعر أحمد رامي، فإنه يرتبط أيضًا بها، حيث أن عشقه لها أذاب قلبه أيضًا.
السؤال الذي يتبادر دائمًا هو: هل كان محمد القصبجي الوحيد في جيله من الفنانين وغيرهم الذي عاش قصة حب خيالية لأم كلثوم؟
بالتأكيد لم يكن القصبجي الوحيد، فهناك العديد من الأشخاص الذين عاشوا في عالم الخيال قصة حب لشخص لم يروه من قبل. وهناك العديد من الأشخاص الذين تابعوا هذا الحب من بعيد، مستمتعين بمشاهدة "ملكة النحل" وهم يحلقون في السماء، يتباهون بانضمامهم إلى جيش المعجبين.
هذا ليس تخمينًا، بل هو ما أكده الناقد طارق الشناوي في كتابه "أنا والعذاب وأم كلثوم"، حيث تحدث عن العديد من عشاق "الست" الشهيرين، وليس لهم علاقة بحبهم لها، بل استفادوا من فنونهم لإنتاج أعمال فنية تحمل بصمة الملكة.
عندما قررت أم كلثوم الإعلان عن زواجها من الموسيقار محمود الشريف، فاجأت هذا الخبر عشاقها، فقد خرج الشاعر أحمد رامي من منزله بالبيجامة وهو يتجول في الشوارع، وذهب زكريا أحمد إلى منزلها وشتمها. وأما القصبجي، فقد اقتحم منزلها محملاً مسدسًا على ظهره، ليجبر الشريف على إنهاء علاقته بأم كلثوم. لكن سيدة الغناء العربي استطاعت تهدئة الأمور وتفهم مشاعر القصبجي.
إن القصبجي كان يحب أم كلثوم، ولكن في الحقيقة، فكرة أن كل من كان حولها من الشعراء والملحنين كان يحبها ليست غريبة على الإطلاق. إذ كم من العاشقين يعيشون قصة حب في خيالهم مع من لم يروه من قبل، وكم من محبين يشاهدون هذا الحب من بعيد ويستمتعون به وبحب الآخرين، مستمتعين بشعور "ملكة النحل" وهم يحلقون في السماء، فخيالهم يزهو بتقدم جيش من العشاق.
الزمن الذي كان يعيش فيه الرجل، عندما يرى امرأة "مثقفة" أو "فنانة" أو "صاحبة رأي"، كانت هذه اللحظات نادرة جدًا، وكانت تثير الإعجاب وتسبب الارتباك في وصف وفهم المشاعر.
خطابات القصبجي التي أرسلها لأم كلثوم أثناء رحلات علاجها في الخارج، كشفت أنه كان يكتب لنفسه بلا اهتمام أو رد من الطرف الآخر. فقد كتب لها مثلاً: "يا سومة، هذا هو رابع خطاب أرسله إليك، فعسى أن تصلك جميع خطاباتي بانتظام". واستمر القصبجي في الكتابة وإرسال الخطابات، دون أن يعلم حتى ما إذا كانت تصلها تلك الرسائل أم لا.